24.7.10

زيف

50-4

يرسمُ شفتين حول النايْ

يرسمُ الناي صفيراً وخرائبَ حزنْ

يرسمُ الحزنُ وجهاً في المدى

يرسمُ المدى مدنَ انكسار

يرسمُ الانكسار خشبةً مجوّفةً،

كأنها نايٌّ مزيَف.

كأنّ حوله شفتين مزيفتين.

كأنهما يغويان العاشقيْن بلحنٍ حزينٍ مزيّف.

_________

زافَ الدرهم يَزِيْفُ وهو زَيْفٌ وزائفٌ. وقال ابن دريد: الزّائفُ: الرديء من الدراهم، فأما الزَّيْفُ فمن كلام العامة.

13.7.10

دون عنوان

3947747-lg

(2)
الكتابةُ مغامرة، مغايرةٌ أيضاً. في عمقِها فعلُ اتصالٍ بينَ البشرِ الـمنتشرينَ على وجهِ الأرض. هذا الاتصالُ الذي تتأسَّسُ عليه الكتابةُ محكومٌ بضوابطِ القرار الـمسبق، وفكّ شفرات الكتابة (النصوص)، والفهم، الذي يُنتِجُ قاعدةً من الوعي الـمشترك لدى طرفي الاتصال.
الاتصال إذاً، يفرضُ معرفةً مسبقةً بين الـمرسل والـمستقبل، تفرضُ أيضاً تلاقي حولَ مضمون الرسالةِ، وأهدافها وغايتها، وبشكلٍّ منطقي تقترحُ مكاناً وزماناً تدور فيه عمليّة الاتصال كاملة. هذا الـمُناخُ هو الإطارُ لكلّ عمليات التواصل وكل اختراعات الاتصال، منذ استخدام الزاجل وحتى اختراع الإنترنت. كلها تجعل من الـمكان والزمان مركزين مهمّين تتحركّ فيهما الرسالة.
في الكتابة الإبداعيّة، الأمرُ مختلفٌ، لأنّه يرتكزُ، في عمقِه، إلى الاستعداد النفسيّ (أو الوظيفي) للكاتب، الذي يُنتِجُ نصَّاً إبداعيّاً ويرسله (ينشره) دون تحديدٍ للـمتلقي (الـمستهلك). هذه الـمغامرة الكونيّةُ تُأصِّلُ للاختلاف، لأنّها مُنْتَجٌ يثْبِتُ الـمكانَ، ويحرِّرُ الزمنْ. فالكاتبُ يحاولُ في نصوصِه غوايةَ الزمن، يحاولُ الالتفافَ عليه، ليحفرَ نصَّه (رسالته) في صخرتِه.
هذا الإرسال عبر الزمن، هو إرسالٌ للـمستقْبَل، وليس للـمستقْبِل، يهدفُ إلى نقلِ الـمعرفةِ الآنيّةِ إلى سكّانِ الكوكب بعد مئات السنين، وهو الأمر الذي حدثَ، ويحدثُ بواسطةِ كلّ الحضارات. الكتابة على جدران الأهرامات، مثلاً، في لحظتها الأولى هي ممارسة عاديّة للفراعنة، لكنها الآن هي رسائل من حقبةٍ زمنيّة فانيةٍ إلى العالـم الحالي، واللاحق. ولكن القصديّة هي التي تحدّد الشعر. العلـماء، والكتّاب، والكهنة، يكتبون للتاريخ لتثبيت اللحظة الزمنيّة التي يعيشون فيها على امتداد خط الزمن الـمستقبلي، حتى إذا جاء إنسان لاحق يستطيع أن يعيّن على الخط الزمني الفترة التي عاش فيها الشاعر الإغريقي فلان. أو الطبيب الإسلامي فلان. لكن كل هذه الـممارسات تأتي وفق شعور داخلي فردي أو جماعي لحفظ الذات الإنسانيّة ولرغبَة داخليّة (ربما أنانيّة) لتثبيت الاسم عبر التاريخ.
أفكّرُ بهذا الـمثال:
لو صدفَ أن اجتمعَ بشرٌ في سفينةٍ، وهبّت عاصفةٌ، هكذا، كافتراض من الـممكن حدوثه، ومن الطبيعي أنّه حدثَ مئات الـمرات.. ما الذي سيحدث؟ لنفترض مثلاً أن ركّابَ السفينةِ يحملونَ سرّاً ويرغبون بإيصالِه إلى جزيرتِهم النائية. ما الذي يحدث؟ لنفترض أن بينهم شاعراً، سيقترح كتابةَ السرّ في قصيدةٍ (اعتماداً على أنّها لغةٌ تحتاجُ إلى تأويل) وسيلقى بقصيدتِه، بعد أن يضعها في زجاجةٍ، في البحر. سأقترح، آسفاً، أنَّ العاصفةَ ستخلخلُ صواري السفينة، وأنّه، للأسف، ستغرق.
لكنّ القصيدة (السر) لا تزال تطفو، بفعلِ الفيزياء، فوقَ سطح الـماء. ما الذي سيحدث؟ هناك ثلاثة احتمالاتٍ: أنّ تنكسرَ الزجاجةُ القشرة، وتبتلُ القصيدة. وهذا لأنّ الشاعرَ لـم يؤسسُ لقصيدتِه جيداً، فهي ستخترقُ موجةً أو اثنتين، ثمّ يهضمها النسيان.
أن تصلَ القصيدةُ إلى الشاطئ، ويأخذها واحدُ، ولا يعرفُ كنهَ الكتابة، وهذا لأنَّ الشاعرَ منغلقٌ على ذاتِه، ونصوصه لا تعبّر إلا عنه. أو أنّ تصلَ القصيدةُ ويقرأ حروفَها قارئ ما، ويسبرُ غورَها، يفهمُ السّرَ. وهذا لأنّ القصيدة في توافقٍ، واتفاق ما بينها وبين الـمُتلقي. أيّ متلق.

(1)
لا أظنُّ أنني من كتّابِ قصيدة النثر أو من كُتّاب قصيدةِ التفعيلةِ. أظنُّ أنني منحازٌ إلى القصيدةِ دون إضافةٍ إلى نثرٍ أو تفعيلة، القصيدة الخالية من كلّ شائبة، والـمنحازة، بدورِها، إلى لغةٍ ولذّة.
كما أثقُ بانحيازي إلى "لحظةِ الكتابة"، هذه اللحظة التي يُعاني فيها الجسد من الانفصال عن باقي التفاصيل الـمحيطةِ فيه، في تلك اللحظة، لحظة الكتابة، لحظة الإنتاج، يمكن أن يشعرَ الكاتبُ بقدسيّة النصّ، وبجلالِه، ومن ثمّة، وبعد انتهاء فعل الكتابةِ، يأتي الخَواءُ، والانكسارُ، وتأتي الكآبةُ فاردةً ذراعيها.
لذلكَ، أظنُّ، مرّة ثالثة، أنّ كلَّ الأفعالِ التي لاحقاً بعد الكتابةِ الأولى، هي محاولاتٌ لاسترجاع لحظاتِ الـمتعةِ الـمقدّسة. ولن يستطيع الكاتبُ ذلكَ، لا من خلال الكتابة الثانية للنص، وإعادة إنتاجه، ولا حتّى من خلالِ نشرِه عبر الصحف، أو في مجموعةٍ شعريّة مستقلّة.. لن يستطيع ذلك، إلا من خلال توفّر ظروفٍ نفسيّة، لإنتاجِ نصّ آخرْ.

(0)
هل تأمّل أحدُكم كاتباً لحظةَ كتابته لنصِّه؟
كثيراً ما تلصّصتُ على كُتّابِ في هذه اللحظة، بإمكانكم تتبّع بعض منهم، ستجدونهم في حالة انفعالٍ ما، مرتبكين، قلقين، أو مغيّبين.
هل من الـمهم، أن نسأل عن قالَبِ القصيدةِ؟ في ظلّ هذا التوتّر، والعماء الكوني، من الـمهم أن نُدهشَ، وأن نحافظَ على تلكَ الـمتعةِ الخفيّة التي ستأتي، ستأتي مع كلّ نصٍّ يُكتب، ومن الـمهم أيضاً، ألا نلوّث القصائدَ بتصنيفاتٍ تقيّد الشعرَ، وتضعه في عداوةٍ مع آخرين.

نشرت في جريدة الأيام الفلسطينية، الثلاثاء 13 تموز 2010