28.5.13

الأخوين لاما


تعود بدايات #السينما_الفلسطينية إلى الأخوين إبراهيم وبدر لاما، حينما قررا في عام 1926 العودة من تشيلي إلى فلسطين لإنشاء صناعة سينمائية في وطنهما الأم. لكن "الأخوين لاما" لم يكملا الرحلة إلى فلسطين، بسبب الأوضاع السياسية غير المستقرة فيها. وقررا البقاء في الإسكندريّة حيث أسسا "نادي مينا فيلم" السينمائي، وبعد ذلك شركة "كوندور فيلم" والتي أنتجت أول فيلم عربي قبلة في الصحراء الذي عرض في مايو 1927 في سينما كوزموغراف. وقد أنتجت هذه الشركة 62 فيلماً طويلاً حتى العام 1951.

25.11.11

أخبال عربيّة

681px-Tectonic_plates_(empty).svg

يستعدُّ مجموعةٌ من العلماء في غضونِ سنةٍ من الآن، كتابة تقارير انجاز لمشروعٍ بحثيٍّ طويل حول حركة الألواح التكتونيّة المكوّنة للغلاف الصخري للأرض. البحثُ الذي بدأ منذ خمسينات القرن الماضي يدرس بشكل مركّز حركة اللوح العربي، ويرتكزُ البحث على فرضيّة تحرّك اللوحة الأفريقيّة واللوحة الأوراسيّة حركةً متقاربة، وكذلكَ تفعل اللوحة الهنديّة، الأمر الذي سيجعل من اللوحة العربيّة ترتفعُ إلى أعلى بمعدّل ثابت مقداره 75 ملم في العام الواحد.

هذه الفرضيّة التي جنّد معهد البحوث والدراسات العربيّة، مجموعةً من علماءِ الأرضِ لإثباتِ صحتها، ضمنِ مشروع أطلقَ عليه "قبّةُ العالم".

تخلصُ النتائج التي كشفَ عنها أمس أنّ اللوحة التكتونيّة العربيّة، ستتحوّل خلال الفترة القادمة إلى أكثر الهضاب مساحةً وعلوّاً على سطح الأرض. كذلكَ خلصت الدراسات إلى أنّ قمّة "جبل شيليا" (2328 م) التي تعتبر أعلى قمّة في سلسلة جبال الأوراس سترتفع بدورِها لتتجاوز الـ 9000 م، الأمر الذي يحوّلها إلى أعلى قمّة في العالم. (انتهى)

18.11.11

بــابـــل

 

 Babel_7

يقال واللَّه أعلم: إنّ اللَّه عزّ وجلّ لما أراد أن يُخالِفَ بين أَلْسِنة بني آدمَ بعث ريحاً فحشرتهم من كلِّ أُفُق إلى بابل فبلبل اللَّه بها ألسنتهم، ثمّ فرَّقتهم تلك الرِّيحُ في البلاد. هذا ما أورده الخليل بن أحمد الفراهيدي في "العين"، وقصّة بابل والبلبلة واختلاف الألسن أسطوريّة يردُ ذكرها في العهد القديم، سفر التكوين. ولا يختلف المعنى كثيراً حين ننظرُ إلى القاموس تحت كلمة "Babel" التي تعني في واحدة من معانيها "الجلبة، أو اختلاط أصوات".

هذا المعنى لكلمة بابل Babel يجعلنا نقف أمام الفكرة التي يرغب المخرج المكسيكي "أليخاندرو جونزاليس" بطرحها في فيلمه الأخير "بابل" الذي تدور أحداثه في المغرب والمكسيك واليابان والولايات المتحدة الأمريكية، وتتداخل لغات ممثليه اعتماداً على التنوّع الجغرافي من اللغة العربيّة، الإنجليزيّة، المكسيكيّة، واليابانيّة. لتتحقق فكرة الإختلاف والتنوّع الثقافي من ناحيّة وارتباط مصير هؤلاء الممثلين (البشر) جميعاً في قصَّةٍ كونيّةٍ واحدةٍ ينسجها المخرج جونزاليس.

يُبنى الفيلم على أربع قصصٍ متداخلةٍ، يربطُ بين القصّة والأخرى خيطٌ ليخلصَ المُشاهِد في نهاية الفيلم إلى سؤالٍ عن جوهر الإختلاف بين ثقافات العالم من أقصى شرقه إلى أقصى غربه، وكيف يمكن لمثل هذه الثقافات المختلفة إنتاج قصّة الفيلم المدهش والإنسانيّ. يقوم المخرج إذن بتفكيك القصص الأربعة المكوّنة لنسيج الفيلم وتقطيعها، ويعرضها بشكل متشظي ومتداخل الأمر الذي يزيد من توتّر المشاهد.

القصة الأولى، قصّة عائلة مغربيّة يشترى الأب بندقية صيد لتساعده وأبناءه على إبعاد ابن آوى عن أغنامه، البندقيّة التي تصبحُ في يد أبنائه يوسف وأحمد، الغارقان في صمت الصّحراء وفتنتها وهدوئها، يحاول كلّ منهما إظهار البراعة في استخدام البندقيّة وأيهما الأكثر قدرة على القنص، فيطلق الأصغر رصاصةً نحو حافلة سياحيّة. تصيب الرصاصة الطائشة والعبثيّة سائحة أمريكيّة، لتبدأ وسائل الإعلام بالحديث عن وجود "إرهابيين" في المنطقة، وبالتأكيد ستبدأ الشرطة المغربيّة في بحثها عن الواقفين وراء الحادث المأساويّ، وإلى أن تصلَ الشرطةُ إلى "مرتكبي الجريمة" سيعرضُ المخرجُ بعض المشاهد التي تعكس العنف غير المبرر ضد أحد الرعاة واتهامه بالوقوف وراء الحادث!

تصل الشرطة في النهاية إلى الفاعلَين الحقيقيين، وتقتل الطفل الأكبر يوسف في اشتباكٍ مسلّح، فيما أخوه يسلّم نفسه للشرطة.

وبتداخلٍ مع قصّة العائلة المغربيّة، تدور قصّة الأمريكي ريتشارد وزوجته سوزان اللذين يشتركان في رحلةٍ سياحيّة في المغرب، سيفهم المشاهِد أن العلاقة بين الزوجين متأزّمة، وتبدو الزوجة الأمريكية عنيفة ومحتجّة لوجودها بين هؤلاء "العرب الإرهابيين".. وفيما هما جالسان في الحافلة تُصاب سوزان برصاصة طائشة، مما يجعلها تنزف وتفقد الكثير من الدماء، تتعقد الأمور حيث أن الحافلة متوقفة وسط الصحراء، لكنّ المترجم المرافق للرحلة يقنع السيّاح بالتوجه إلى إحدى القرى، ومن هناك يتصل الزوج بالسفارة الأمريكيّة بواسطة الهاتف الوحيد في القرية لطلب المساعدة.

الزوجة التي كانت تتأفف منذ قليل، من الوحش العربيّ الإرهابي، تُعالج على يدِ البيطري الوحيد في القرية، الذي لن يستطيع إلا خياطة جرحها دون استخدام المخدّر في مشهدٍ مؤلم جداً.. تتوتر الأحداث حين يقرر باقي السيّاح مغادرة القرية خوفاً من سكان القرية الإرهابيين من وجهة نظر السيّاح، ليبقى الزوج وزوجته المصابة وحدهما في القرية. إلى أن تصل طائرة هليكوبتر لتقل الزوجين إلى إحدى المستشفيات. قبل اقلاع الطائرة وفي وسط عاصفة الرمال يعرضُ الزوج المال على المترجم الذي يرفضُ بدوره أخذ المال حيث أنه يعتبر مساعدته ووقفته مع "الأمريكي" نتاج تاريخ عربيّ طويل من الكرم أو مساعدة المحتاج.

أيضاً، تدور أحداث قصّة ثالثة، حيث ترك الزوجان الأمريكيان طفليهما في رعاية المربية المكسيكية "أميليا" التي تقيم في الولايات المتحدة الامريكية بشكل غير شرعي، وحيث لا يمكنها أن تترك الطفلين وحدهما، تقرر إصطحابهما معها إلى المكسيك لحضور حفل زفاف ابنها. وهنا لا تخلو المشاهد من بعض اللقطات "المزعجة" كقطع رقبة دجاجة أو إطلاق الرصاص في حفل الزفاف الذي يثير رعب الطفلين غير المعتادين على مثل هذه المناظر أو التصرفات!

تعود المربية مع الطفلين في سيارة يقودها أخوها "سانتياغو" لكن شرطة الحدود توقف السيارة للاشتباه مما يدفع "سانتياغو" إلى الهرب واقتحام الحدود. بعد ذلك يقوم بانزال أخته والطفلين من السيّارة ليهربَ وحيداً من الشرطة. صباحاً ستجد "إميليا" نفسها وسط صحراء شاسعة. يتدخل القدر ليتم انقاذ الأطفال ومربيتهم في آخر لحظات، المربية أميليا يتم طردها من الولايات المتحدة الأمريكية لإقامتها غير الشرعية، فيما الطفلان يعودان إلى والديهما العائدين من تجربة قاسية جداً في المغرب.

اليابان هي مركز أحداث القصة الرابعة، حيث الأب "ياسوجيرو" الذي انتحرت زوجته بإطلاق النار على نفسها، يحاول جاهداً التقرب من ابنته "شيكو" المراهقة. الفتاة "شيكو" الصّماء والبكماء تحاول جهدها إقتناص أيّة فرصة لممارسة الجنس، لإشباع رغباتها. كأنها تحاول التواصل من خلال جسدها مع العالم بعد أن فقدت وسائل الاتصال العاديّة والطبيعيّة معه. الملفت أن المشهد الأخير يُظهر الفتاة اليابانية عاريةً في شرفة الشّقة، كأنها من ناحية ستلقي بنفسها منتحرة، أو لعلّها تعرضُ جسدها العاري إلى المدينة وسكّانها، علّ أحدهم يستطيع أن يلتقط زهرة جسدها لتشعر بالنشوة لمرّة واحدة.

الرابط بين القصّة اليابانيّة والقصّة المركزية الحادثة في المغرب، هي أنّ الياباني "ياسوجيرو" أهدى بندقيته إلى دليله المغربي. نفس البندقيّة التي أطلِقَتْ منها الرصاصة التي أصابت "سوزان" الأمريكية.

طلقة طائشة، فعل عبثيّ غير مقصود يفجِّرُ سلسلة أحداث متراكمة تجعلُ المتلقي يثق –بعد مشاهدة الفيلم- بأنّ الأحداث الكبيرة في العالم ناتجة عن تصرفات عبثيّة وغير مبررة من صنّاع القرار في العالم. فمثلاً، هذه الطلقة الطائشة من الطفل المغربي تساوي في عبثيتها إحراق نيرون لروما عام 68. لكن المخرج يريد أن يصل –بإعتقادي- إلى أبعد من ذلك، فهذه الرصاصة العبثيّة هي التي جعلت الزوجان يقتربان من بعضهما بشكل حميمي، وهي التي جعلت من السيدة الأمريكيّة تسمح لعجوزٍ مغربيّة أن تمسّد شعرها وتقرأ على رأسها سورة الفاتحة، وهي –بشكل غير مباشر- التي تصدم الوالدَ حين يرى ابنته المراهقة عُريانة في الشرفة فيحتضنها ويكسر هذه الجفاء القائم بينهما..

يحاول الفيلم إذن من خلال التشظي في عرض القصص، والاختلاف الجغرافي والتباين المعرفي، واختلاف اللغة والأعراق، أن يطرقَ الفكرة الأكثر جوهريّة، فكما أن الممثلين (البشر) رغم الاختلاف بينهم، قد توحّد مصيرهم في مثل هذه القصة، فإنهم قادرون على إنتاج قصّتهم الكونيّة الواحدة غير الناتجة عن العبث، بل الناتجة عن قرار مسبق يكون جوهره الحبّ والتواصل بين الجميع. لأن القاتلَ لا ينتمي لفئة عرقيّة واحدة، كما أن المخلِّصَ لا ينتمي إلى عرقٍ آخر.

الإيمان بالآخر واحترامه، وعدم نعته "بالإرهاب" والتقليل من قيمة انجازه التاريخي، الإيمان بأن الاختلاف قيمة جوهريّة تساعد على فهم الذات أولاً للوصول إلى فهم الآخر، الإيمان المطلق بأن مصير البشر في هذا الكون واحد، يرفع من قيمة المشاركة والإنتماء والحبّ.

يبقى أن المخرج "أليخاندرو جونزاليس" الذي حصل عن فيلمه هذا على جائزة أفضل إخراج في مهرجان كان السينمائي 2006، قد أهدى فيلمه "إلى أطفالي الذين يمثّلون النور الوحيد في هذا الظلام".

 

Mahmod_madi@hotmail.com

10.8.10

دوائر ناقصة

Water_by_Nova_FoV

(دوائر أختي الناقصة) قصّة للقاص زياد خدّاش منشورة في مجموعته القصصية الأخيرة (خذيني إلى موتي)، القصّة باختصار.. منال في أواخر العقد الثاني من عمرها، غير قادرة على التواصل لغةً مع الآخرين، لكنها تضحك معهم وتبكي حين يبكون على لقطة في مسلسل عربي حزين، موهبتها تكمن في رسم دوائر ناقصة على الورق، وفي أحد أيام منع التجول، بعد جفافِ حبرِ أقلاِمها، أحضر لها أخوها "سطل فحم" وأشار لها على الجدار.. فراحت "ترسم دوائرها المجنونة هناك بخط أسود كبير وثقيل"..دوائر منال ناقصة، دائماً هناك ثغرة في محيط الدائرة!

وتنتهي القصة بأن يدخل إلى غرفة منال، أخوها، بعد ليلة أرق.. ويحاول إيقاظها لكنها لا تستيقظ، والمدهش أن جدران الغرفة الأربعة، تحضن دوائر عملاقة خطوطها متعرجة. دوائر عملاقة مكتملة تماماً. وأخته منال لا تستيقظ.

قصة أخرى، من أحد الأفلام الأجنبية. المكان مستشفى للدعمِ النفسي! توجد فتيات كثيرات مصابات بأمراضٍ نفسيَّةٍ مختلفة، تهرب فتاتان من مستشفي الأمراض العصبية، وتذهبان إلى بيتِ صديقة غادرت المستشفى قبل فترة قريبة، إحدى الهاربتين تكتشف جروح في يدِ صاحبة البيت، فتصارِح الضيفة صاحبَة البيتِ بأنها تعرف كثير من التفاصيل، مثل أنها تستلذ بتعذيب نفسها، وأنها تتعامل مع حبّة الدّواء المسكن كرجل تلتهمه، وأنها حين لا تأكل إلا مما يطبخه والدها فهي تفعل ذلكَ بشكلٍ رمزي، أي أنها لن تقيم علاقة مع أي رجل إلا والدها، وأن تعذيبها لجسدها من الخارج، هو نافذتها الوحيدة لتعذيب داخلها في إقامة علاقة مع أبيها.

بعد هذا الحوار، تستأذن صاحبة البيت، وتصعد إلى غرفتها في الطابق الأعلى. وتكتشِفُ الضيفتانِ صباحاً أن صاحبَة البيتِ قد انتحرت!

لماذا ماتت "منال" في قصّة زياد خدّاش، ولماذا انتحرت فتاةُ الفلم؟

منال، بالرغم من أن القصَّة تقول إن ملامح وجهها مشروع ملغي أو غير مكتمل لجمال خاص، ليتوهَّم القارئ بأن دوائرها "غير المكتملة" انعكاس لجمالها الخاص، وبشكل آخر أن "منال" حين وصلت إلى جمالِها المكتمل؛ "غابت عنِ الدنيا".

والجمال المكتمل/المطلق هو بالتأكيد عند زياد خدّاش يرادِفُ (الموت). وهذا واضِح من عنوان مجموعتِه القصصية "خذيني إلى موتي". ويمكن ملاحظة مدى الراحلة والبساطة في فعل الأمر (خذيني) المتناقض مع (الموت). لكن الموت، باعتقادي، هو منطقة جماليّة ومختلفَة عند زياد خدّاش، وهذا ليسَ تشاؤماً..! لأن الموتَ ليسَ منطقة خلاص، بل منطقة بحثٍ جمالي مطلق، لذلك يكون الموتُ، غالباً، بسيطاً فهو يقول لها في قصّة أخرى: "تعالي إذن نموت معاً (...) قفي على الهاوية، حافية وراكضة بلا جدران، بلا رجال بلا ذاكرة وبلا مساءك الأخير، لا تخافي فالهاوية طيبة وثقيلة ومتفهمة، ولا تثرثر كثيراً، ثمة فرصة للضحك..."، ويمكن ملاحظة دعوة الموت، أو "الهاوية" وارتباطها بالتالي: (حافية، راكضة، طيبة، متفهّمة، لا تثرثر كثيراً، ضاحِكة..)!!

هي إذن ليست دعوة للانتحار، بل دعوة لفهم الذات والبحث عن جمالِها الخاص.

ما الذي قتل منال؟ الذي قتلها برأيي هذه الجملة.. (خرجتُ من الغرفة باتجاه المطبخ، باحثاً عن حجة كاذبة لأرقي أو سبب، مررت عن غرفة منال، قلتُ في نفسي: لم لا أوقظها؟ سنرسم معاً دوائرنا)

هذه الجملة يتبعها فتح للباب واكتشاف أن منال نائمة، وأن دوائرها عملاقة ومرتبكة ومكتملة في آن. وحين يحاول إيقاظها لا تستيقظ.

(سنرسم معاً دوائرنا)..

الأخ الذي كان محايداً في البداية ويتأمل الدوائر الناقصة، ويحلم بها، أصبح بعيداً عن منطقة المشاهدة، وقريباً إلى الانغِماس في "ممارسة الفعل"، يريد أن يكون فاعِلاً بالاشتراك معها، لذلك فالفاعل لفعل (نرسم)، هو ضمير غائب تقديره "نحن". ومعاً تفيد المشاركة. والأخطر برأيي هو إسناد "دوائر" إلى "نا" الفاعلين. قبل ذلك، كانت الدوائر الناقِصة مسندة فقط إلى أختِه (دوائر أختي).

"منال" لا ترفض المشاركة، لأنَّ أخاها، يقول "وضعتُ يدي فوقَ يدها، ومشيتُ بيدها في منحنيات دائرةٍ كبيرة.." أي أنهما اشتركا في إنجازِ فعلٍ سابِق. لكنّها ترفض أن تكون المشاركة، مزاجيّة، ومبنيَّة على شروطٍ مسبقة من أخيها، فالأخ الذي يبحثُ "عن حجَّةٍ كاذبَةٍ لأرقه" حاول أن يروّح عن نفسِه بالمشاركة مع أختِه. ولأن شرطَ الموافقة والمشاركة في "رسم الدوائر" وإسناد الناتج لهما معاً، نابِع عن "أرق" الأخ فقط. فقد قررت "منال" أن تموت.

ربما كان موت الأخت "قبل" التفكير "بجملة القتل" (سنرسم معاً دوائرنا). لكن زمن القصص عند زياد خدّاش مفتوح ومتداخل لذلك أرى أن منال البنت التي "كانت ستصير امرأة سمراء وطويلة. جميلة ومثقفة"، قررت أن تموتَ باختيارِها الحرّ، حينَ رأت أن أحدَهم قرر "في لحظة ملل" أن يشارِكها منجزَها الجمالي.

أما الفتاة المريضة المنتحرة، فلم تقدم على الانتحار لأن "صديقتها" أهانتها، وأخبرتها بحقيقتِها الماسوشية، أو أنها تمارس الجنس مع والدها، هذا آخر ما كانت تفكر فيه الفتاة حين وضعت رأسها في الحبل المربوط في السقف.

برأيي، كانت تشعر أنها فارغة، ولا تملك سرّاً خاصّاً بها. لذلك حين انتهت "صديقتها" من كلامِها شعرت أن داخلها يطابِقُ خارجها، وأن أسرارها التي تحتفظ بها عميقاً في داخِلها قد انتقلت لجسد صديقتها. وهذا خطير إلى درجة الشعور باللاجدوى. أن تكون فارغاً من أيِّ شيء. وأن تكونَ شفافاً إلى درجة أن يسمع الواقفُ أمامك الأفكارَ الباطنيّة في عقلك.

لذلك كان الموت هو العلاج. وانتهت مرحلة "علاج الخارج ليرتاح الداخل" إلى قتل الخارج والداخل معاً، لأنهما متشابِهان أمام الآخر.

أتحدّث عن منطقة خاصّة سرّية، هذه المنطقة تحتوي على تفسير حبِّ الإنسان للكتاب هذا، وعدم اهتمامهِ بالآنسة فلان. تحتوي على أسبابِ الوجود. وإذا ما تم الكشف عن هذه "المنطقة الخاصّة" من قبل الآخرين، فبالتأكيد سيتم توقّع أفعال الإنسان التالية، وبذلك فلاجدوى من أيِّ فعلٍ لا يستطيع إدهاشَ الآخرين، فما بالك بكل أفعاله التالية المكشوفة مسبقاً.

هذه الفتاة كانت تستطيع أن تغادر المدينة التي تسكنها، أو تقوم بقتل "صديقتها"، وفي الحالتين تبقى "منطقتها السريّة" بعيدة عن أنظار الآخرين. لكنها لم تهاجر؛ لأن وجود من يستطيع التنبؤ بأفعالها، حتى ولو كان في مكانٍ آخر، وجوده يقتل المتعة في الفعل والممارسة الآنيّة.

ولم تقتل "صديقتها" لأنها لا تضمن أن صديقتها احتفظتْ بكلامِها لنفسها. ولا تضمن كذلك أن يأتي لها الزّمان بإنسانٍ يشبِه صديقتها، ويستطيع الولوج إلى "منطقتها السّرية الخاصة" وكشفها. لذلك كان الأجدر بها أن تزيلَ نفسها عن الوجود. فانتحرت.

الموت لدي الشخصيَّتين السابقتين، لم ينتج عن قمعٍ وعنفٍ ماديٍّ يمْكِنُ رصدَه، هو نتاج عنف معنويٍّ خلخلَ اتّزان الفتاة مع واقِعها المعاش، ومسَّ أفكارَها وقناعتها، وأجبرها على البقاءِ رهينَة واقعٍ مغايرٍ ترفضه ولا تشعر براحةٍ معه. لا يهم هنا جنسِ المعنِّف، رجل كان أو امرأة، بل الأهم هو النظر إلى ناتج عمليّة العنف، ومصير المعنَّف. المرأة هنا تسعى، بشكلٍ خَطِير، إلى موتِها راغِبةً وهانئة!

24.7.10

زيف

50-4

يرسمُ شفتين حول النايْ

يرسمُ الناي صفيراً وخرائبَ حزنْ

يرسمُ الحزنُ وجهاً في المدى

يرسمُ المدى مدنَ انكسار

يرسمُ الانكسار خشبةً مجوّفةً،

كأنها نايٌّ مزيَف.

كأنّ حوله شفتين مزيفتين.

كأنهما يغويان العاشقيْن بلحنٍ حزينٍ مزيّف.

_________

زافَ الدرهم يَزِيْفُ وهو زَيْفٌ وزائفٌ. وقال ابن دريد: الزّائفُ: الرديء من الدراهم، فأما الزَّيْفُ فمن كلام العامة.

13.7.10

دون عنوان

3947747-lg

(2)
الكتابةُ مغامرة، مغايرةٌ أيضاً. في عمقِها فعلُ اتصالٍ بينَ البشرِ الـمنتشرينَ على وجهِ الأرض. هذا الاتصالُ الذي تتأسَّسُ عليه الكتابةُ محكومٌ بضوابطِ القرار الـمسبق، وفكّ شفرات الكتابة (النصوص)، والفهم، الذي يُنتِجُ قاعدةً من الوعي الـمشترك لدى طرفي الاتصال.
الاتصال إذاً، يفرضُ معرفةً مسبقةً بين الـمرسل والـمستقبل، تفرضُ أيضاً تلاقي حولَ مضمون الرسالةِ، وأهدافها وغايتها، وبشكلٍّ منطقي تقترحُ مكاناً وزماناً تدور فيه عمليّة الاتصال كاملة. هذا الـمُناخُ هو الإطارُ لكلّ عمليات التواصل وكل اختراعات الاتصال، منذ استخدام الزاجل وحتى اختراع الإنترنت. كلها تجعل من الـمكان والزمان مركزين مهمّين تتحركّ فيهما الرسالة.
في الكتابة الإبداعيّة، الأمرُ مختلفٌ، لأنّه يرتكزُ، في عمقِه، إلى الاستعداد النفسيّ (أو الوظيفي) للكاتب، الذي يُنتِجُ نصَّاً إبداعيّاً ويرسله (ينشره) دون تحديدٍ للـمتلقي (الـمستهلك). هذه الـمغامرة الكونيّةُ تُأصِّلُ للاختلاف، لأنّها مُنْتَجٌ يثْبِتُ الـمكانَ، ويحرِّرُ الزمنْ. فالكاتبُ يحاولُ في نصوصِه غوايةَ الزمن، يحاولُ الالتفافَ عليه، ليحفرَ نصَّه (رسالته) في صخرتِه.
هذا الإرسال عبر الزمن، هو إرسالٌ للـمستقْبَل، وليس للـمستقْبِل، يهدفُ إلى نقلِ الـمعرفةِ الآنيّةِ إلى سكّانِ الكوكب بعد مئات السنين، وهو الأمر الذي حدثَ، ويحدثُ بواسطةِ كلّ الحضارات. الكتابة على جدران الأهرامات، مثلاً، في لحظتها الأولى هي ممارسة عاديّة للفراعنة، لكنها الآن هي رسائل من حقبةٍ زمنيّة فانيةٍ إلى العالـم الحالي، واللاحق. ولكن القصديّة هي التي تحدّد الشعر. العلـماء، والكتّاب، والكهنة، يكتبون للتاريخ لتثبيت اللحظة الزمنيّة التي يعيشون فيها على امتداد خط الزمن الـمستقبلي، حتى إذا جاء إنسان لاحق يستطيع أن يعيّن على الخط الزمني الفترة التي عاش فيها الشاعر الإغريقي فلان. أو الطبيب الإسلامي فلان. لكن كل هذه الـممارسات تأتي وفق شعور داخلي فردي أو جماعي لحفظ الذات الإنسانيّة ولرغبَة داخليّة (ربما أنانيّة) لتثبيت الاسم عبر التاريخ.
أفكّرُ بهذا الـمثال:
لو صدفَ أن اجتمعَ بشرٌ في سفينةٍ، وهبّت عاصفةٌ، هكذا، كافتراض من الـممكن حدوثه، ومن الطبيعي أنّه حدثَ مئات الـمرات.. ما الذي سيحدث؟ لنفترض مثلاً أن ركّابَ السفينةِ يحملونَ سرّاً ويرغبون بإيصالِه إلى جزيرتِهم النائية. ما الذي يحدث؟ لنفترض أن بينهم شاعراً، سيقترح كتابةَ السرّ في قصيدةٍ (اعتماداً على أنّها لغةٌ تحتاجُ إلى تأويل) وسيلقى بقصيدتِه، بعد أن يضعها في زجاجةٍ، في البحر. سأقترح، آسفاً، أنَّ العاصفةَ ستخلخلُ صواري السفينة، وأنّه، للأسف، ستغرق.
لكنّ القصيدة (السر) لا تزال تطفو، بفعلِ الفيزياء، فوقَ سطح الـماء. ما الذي سيحدث؟ هناك ثلاثة احتمالاتٍ: أنّ تنكسرَ الزجاجةُ القشرة، وتبتلُ القصيدة. وهذا لأنّ الشاعرَ لـم يؤسسُ لقصيدتِه جيداً، فهي ستخترقُ موجةً أو اثنتين، ثمّ يهضمها النسيان.
أن تصلَ القصيدةُ إلى الشاطئ، ويأخذها واحدُ، ولا يعرفُ كنهَ الكتابة، وهذا لأنَّ الشاعرَ منغلقٌ على ذاتِه، ونصوصه لا تعبّر إلا عنه. أو أنّ تصلَ القصيدةُ ويقرأ حروفَها قارئ ما، ويسبرُ غورَها، يفهمُ السّرَ. وهذا لأنّ القصيدة في توافقٍ، واتفاق ما بينها وبين الـمُتلقي. أيّ متلق.

(1)
لا أظنُّ أنني من كتّابِ قصيدة النثر أو من كُتّاب قصيدةِ التفعيلةِ. أظنُّ أنني منحازٌ إلى القصيدةِ دون إضافةٍ إلى نثرٍ أو تفعيلة، القصيدة الخالية من كلّ شائبة، والـمنحازة، بدورِها، إلى لغةٍ ولذّة.
كما أثقُ بانحيازي إلى "لحظةِ الكتابة"، هذه اللحظة التي يُعاني فيها الجسد من الانفصال عن باقي التفاصيل الـمحيطةِ فيه، في تلك اللحظة، لحظة الكتابة، لحظة الإنتاج، يمكن أن يشعرَ الكاتبُ بقدسيّة النصّ، وبجلالِه، ومن ثمّة، وبعد انتهاء فعل الكتابةِ، يأتي الخَواءُ، والانكسارُ، وتأتي الكآبةُ فاردةً ذراعيها.
لذلكَ، أظنُّ، مرّة ثالثة، أنّ كلَّ الأفعالِ التي لاحقاً بعد الكتابةِ الأولى، هي محاولاتٌ لاسترجاع لحظاتِ الـمتعةِ الـمقدّسة. ولن يستطيع الكاتبُ ذلكَ، لا من خلال الكتابة الثانية للنص، وإعادة إنتاجه، ولا حتّى من خلالِ نشرِه عبر الصحف، أو في مجموعةٍ شعريّة مستقلّة.. لن يستطيع ذلك، إلا من خلال توفّر ظروفٍ نفسيّة، لإنتاجِ نصّ آخرْ.

(0)
هل تأمّل أحدُكم كاتباً لحظةَ كتابته لنصِّه؟
كثيراً ما تلصّصتُ على كُتّابِ في هذه اللحظة، بإمكانكم تتبّع بعض منهم، ستجدونهم في حالة انفعالٍ ما، مرتبكين، قلقين، أو مغيّبين.
هل من الـمهم، أن نسأل عن قالَبِ القصيدةِ؟ في ظلّ هذا التوتّر، والعماء الكوني، من الـمهم أن نُدهشَ، وأن نحافظَ على تلكَ الـمتعةِ الخفيّة التي ستأتي، ستأتي مع كلّ نصٍّ يُكتب، ومن الـمهم أيضاً، ألا نلوّث القصائدَ بتصنيفاتٍ تقيّد الشعرَ، وتضعه في عداوةٍ مع آخرين.

نشرت في جريدة الأيام الفلسطينية، الثلاثاء 13 تموز 2010

22.6.10

غيمةٌ تسيرُ بقدمين حافيتين

[]

كُنْ كالذي جُنَّ

صار ينبحُ مع كلابِ صيد

صار حمامةً أيضاً

 

كنْ مثلَه

غيمةً تسيرُ بقدميْن حافيتين

وشجرةَ لوزٍ تبتسمْ

 

كنْ صحوَه

مطراً ملوّناً

وخضاراً طازجاً

 

كن ظلَّه

حفرةً حالكةً وسطَ شارعْ

نبعاً أصيلاً في مقهىْ

 

كنْ

قميصَه الشاحبَ. بؤسَ نظرتِه. ابتهاجَه. انكسارَه. ذهولَه. عدمَه.

صراخَه على امرأةٍ اختفتْ في الزّحامْ.